فصل: فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَا يُكْرَهُ فِيهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: بَيَانُ مِقْدَارِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مِقْدَارِهَا فَمِقْدَارُهَا رَكْعَتَانِ عَرَفْنَا ذَلِكَ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
وَلَوْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةِ الْمُنَافِقِينَ تَبَرُّكًا بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَسَنٌ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأْهُمَا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ.
وَرُوِيَ: «أَنَّهُ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَالْغَاشِيَةَ» فَإِنْ تَبَرَّكَ بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ فَنِعْمَ مَا فَعَلَ وَلَكِنْ لَا يُوَاظِبْ عَلَى قِرَاءَتِهَا بَلْ يَقْرَأْ غَيْرَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى هَجْرِ بَعْضِ الْقُرْآنِ وَلِئَلَّا تَظُنَّهُ الْعَامَّةُ حَتْمًا، وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا لِوُرُودِ الْأَثَرِ فِيهَا بِالْجَهْرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ» وَلَوْ لَمْ يَجْهَرْ لَمَا سُمِعَ وَكَذَا الْأُمَّةُ تَوَارَثَتْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَرَّغُوا قُلُوبَهُمْ عَنْ الِاهْتِمَامِ لِأُمُورِ التِّجَارَةِ لِعِظَمِ ذَلِكَ الْجَمْعِ فَيَتَأَمَّلُونَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فَتَحْصُلُ لَهُمْ ثَمَرَاتُ الْقِرَاءَةِ فَيَجْهَرُ بِهَا كَمَا فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُفْسِدُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُفْسِدُهَا.
وَبَيَانُ حُكْمِهَا إذَا فَسَدَتْ أَوْ فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا فَنَقُولُ: إنَّهُ يُفْسِدُ الْجُمُعَةَ مَا يُفْسِدُ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ، وَاَلَّذِي يُفْسِدُهَا عَلَى الْخُصُوصِ أَشْيَاءُ، مِنْهَا خُرُوجُ وَقْتِ الظُّهْرِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يُفْسِدُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضٌ مُؤَقَّتٌ بِوَقْتِ الظُّهْرِ عِنْدَ الْعَامَّةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ أَدَاؤُهَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ، وَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ، وَكَذَا خُرُوجُ الْوَقْتِ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تَفْسُدُ وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ وَقَدْ مَرَّتْ، وَمِنْهَا فَوْتُ الْجَمَاعَةِ الْجُمُعَةُ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ بِأَنْ نَفَرَ النَّاسُ عَنْهُ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَعِنْدَهُمَا لَا تَفْسُدُ.
وَأَمَّا فَوْتُهَا بَعْدَ تَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ بِالسَّجْدَةِ فَلَا تَفْسُدُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ تَفْسُدُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ.
وَأَمَّا حُكْمُ فَسَادِهَا فَإِنْ فَسَدَتْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ بِفَوْتِ الْجَمَاعَةِ يَسْتَقْبِلْ الظُّهْرَ وَإِنْ فَسَدَتْ بِمَا تَفْسُدُ بِهِ عَامَّةُ الصَّلَوَاتِ مِنْ الْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَسْتَقْبِلْ الْجُمُعَةَ عِنْدَ وُجُودِ شَرَائِطهَا.
وَأَمَّا إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا وَهُوَ وَقْتُ الظُّهْرِ سَقَطَتْ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ لَا تُقْضَى؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ، وَالْأَدَاءُ فَاتَ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ يَتَعَذَّرُ تَحْصِيلُهَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَتَسْقُطُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ إذَا فَاتَتْ عَنْ أَوْقَاتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَا يُكْرَهُ فِيهِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَا يُكْرَهُ فِيهِ.
فَالْمُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِمَنْ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ أَنْ يَدَّهِنَ وَيَمَسَّ طِيبًا، وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ ذَلِكَ، وَيَغْتَسِلَ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُقِيمُ لَهَا عَلَى أَحْسَنِ وَصْفٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَرِيضَةٌ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» أَوْ قَالَ: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ»؛ وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ»، وَمَا رُوِيَ مِنْ الْحَدِيثِ فَتَأْوِيلُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُمَا قَالَا: كَانَ النَّاسُ عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ وَكَانُوا يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْرَقُونَ فِيهِ وَالْمَسْجِدُ قَرِيبُ السَّمْكِ فَكَانَ يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِرَائِحَةِ بَعْضٍ فَأُمِرُوا بِالِاغْتِسَالِ لِهَذَا، ثُمَّ اُنْتُسِخَ هَذَا حِينَ لَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ وَتَرَكُوا الْعَمَلَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَمْ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ إظْهَارًا لِفَضِيلَتِهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ»، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهَا مُؤَدَّاةٌ بِشَرَائِطَ لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا فَلَهَا مِنْ الْفَضِيلَةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى بِهِ الْجُمُعَةَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِفَضِيلَةِ الْغُسْلِ، وَعِنْدَ الْحَسَنِ يَصِيرُ مُدْرِكًا لَهَا، وَكَذَا إذَا تَوَضَّأَ وَصَلَّى بِهِ الْجُمُعَةَ ثُمَّ اغْتَسَلَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ فَأَمَّا إذَا اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَصَلَّى بِهِ الْجُمُعَةَ فَإِنَّهُ يَنَالُ فَضِيلَةَ الْغُسْلِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ لِوُجُودِ الِاغْتِسَالِ وَالصَّلَاةِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مَا يُكْرَهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَنَقُولُ تُكْرَهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِجَمَاعَةٍ فِي الْمِصْر فِي سِجْنٍ وَغَيْرِ سِجْنٍ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهَكَذَا جَرَى التَّوَارُثُ بِإِغْلَاقِ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْأَمْصَارِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى كَرَاهَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فِي حَقِّ الْكُلِّ؛ وَلِأَنَّا لَوْ أَطْلَقْنَا لِلْمَعْذُورِ إقَامَةَ الظُّهْرِ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمِصْرِ فَرُبَّمَا يَقْتَدِي بِهِ غَيْرُ الْمَعْذُورِ فَيُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ جَمْعِ الْجُمُعَةِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ وَلِأَنَّ سَاكِنَ الْمِصْرِ مَأْمُورٌ بِشَيْئَيْنِ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِتَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَشُهُودِ الْجُمُعَة، وَالْمَعْذُورُ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ تَرْكُ الْجَمَاعَاتِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّرْكِ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شُهُودُ الْجُمُعَةِ وَلِأَنَّ فِي إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا تَقْلِيلَ جَمْعِ الْجُمُعَةِ فَكَانَ هَذَا الْيَوْمُ فِي حَقِّهِمْ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ، وَكَذَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} وَالْأَمْرُ بِتَرْكِ الْبَيْعِ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ مُبَاشَرَتِهِ وَأَدْنَى دَرَجَاتِ النَّهْيِ الْكَرَاهَةُ.
وَلَوْ بَاعَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِتَرْكِ الْبَيْعِ لَيْسَ لَعَيْنِ الْبَيْعِ بَلْ لِتَرْكِ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ.

.فَصْلٌ: في فَرْضِ الْكِفَايَةِ:

وَأَمَّا فَرْضُ الْكِفَايَةِ فَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ.
وَنَذْكُرُهَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

.فَصْلُ: الصَّلَاةُ الْوَاجِبَةُ:

وَأَمَّا الصَّلَاةُ الْوَاجِبَةُ فَنَوْعَانِ: صَلَاةُ الْوِتْرِ، وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ.

.أَمَّا صَلَاةُ الْوِتْرِ:

فَالْكَلَامُ فِي الْوِتْرِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ، فِي بَيَانِ صِفَةِ الْوَتْرِ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَمْ سُنَّةٌ، وَفِي بَيَانِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَفِي بَيَانِ مِقْدَارِهِ، وَفِي بَيَانِ وَقْتِهِ، وَفِي بَيَانِ صِفَةِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي فِيهِ وَمِقْدَارِهَا، وَفِي بَيَانِ مَا يُفْسِدُهُ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِهِ إذَا فَسَدَ أَوْ فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ، وَفِي بَيَانِ الْقُنُوتِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، رَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْهُ أَنَّهُ فَرْضٌ، وَرَوَى يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَرَوَى نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْمَرْوَزِيِّ فِي الْجَامِعِ عَنْهُ أَنَّهُ سَنَةٌ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَالُوا: إنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ آكَدُ مِنْ سَائِرِ السُّنَنِ الْمُؤَقَّتَةِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ الْوِتْرُ وَالضُّحَى وَالْأَضْحَى» وَفِي رِوَايَةٍ: «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَهِيَ لَكُمْ سُنَّةٌ الْوِتْرُ وَالضُّحَى وَالْأَضْحَى»، وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسَ صَلَوَاتٍ»، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: «صَلُّوا خَمْسَكُمْ» وَكَذَا الْمَرْوِيُّ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» وَلَوْ كَانَ الْوِتْرُ وَاجِبًا لَصَارَ الْمَفْرُوضُ سِتَّ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلِأَنَّ زِيَادَةَ الْوِتْرِ عَلَى الْخَمْسِ الْمَكْتُوبَاتِ نَسْخٌ لَهَا؛ لِأَنَّ الْخَمْسَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ كَانَتْ كُلَّ وَظِيفَةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ تَصِيرُ بَعْضَ الْوَظِيفَةِ فَيُنْسَخُ وَصْفُ الْكُلِّيَّةِ بِهَا، وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ وَالْمَشَاهِيرِ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِالْآحَادِ وَلِأَنَّ عَلَامَاتِ السُّنَنِ فِيهَا ظَاهِرَةٌ فَإِنَّهَا تُؤَدَّى تَبَعًا لِلْعِشَاءِ، وَالْفَرْضُ مَا لَا يَكُونُ تَابِعًا لِفَرْضٍ آخَرَ، وَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ وَلَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ، وَلِفَرَائِضِ الصَّلَوَاتِ أَوْقَاتٌ وَأَذَانٌ وَإِقَامَةُ جَمَاعَةٍ وَلِذَا يُقْرَأُ فِي الثَّلَاثِ كُلِّهَا، وَهَذَا مِنْ أَمَارَاتِ السُّنَنِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى خَارِجَةُ بْنُ حُذَافَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ سَمَّاهَا زِيَادَةً وَالزِّيَادَةُ عَلَى الشَّيْءِ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ جِنْسِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ قِرَانًا لَا زِيَادَةَ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ عَلَى الْمُقَدَّرِ وَهُوَ الْفَرْضُ، فَأَمَّا النَّفَلُ فَلَيْسَ بِمُقَدَّرٍ فَلَا تَتَحَقَّقُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى الْفَرْضِ لَكِنْ فِي الْفِعْلِ لَا فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ؟ ذَكَرَهَا مَعْرِفَةً بِحَرْفِ التَّعْرِيفِ، وَمِثْلُ هَذَا التَّعْرِيفِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْعَهْدِ وَلِذَا لَمْ يَسْتَفْسِرُوهَا.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهَا مَعْهُودًا لَاسْتَفْسَرُوا فَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْوُجُوبِ لَا فِي الْفِعْلِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى السُّنَنِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُؤَدَّى قَبْلَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ السُّنَّةِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ، وَكَذَا التَّوَعُّدُ عَلَى التَّرْكِ دَلِيلُ الْوُجُوبِ، وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ ابْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْوِتْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ، وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ حَقٌّ وَاجِبٌ، وَكَذَا حَكَى الطَّحَاوِيُّ فِيهِ إجْمَاعَ السَّلَفِ وَمِثْلُهُمَا لَا يَكْذِبُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ يُقْضَى عِنْدَهُمَا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلِي الشَّافِعِيِّ، وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَنْ الْفَوَاتِ لَا عَنْ عُذْرٍ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ؛ وَلِذَا لَا يُؤَدَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ بِالْإِجْمَاعِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ، وَبِعَيْنِهِ وَرَدَ الْحَدِيثُ وَذَا مِنْ أَمَارَاتِ الْوُجُوبِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَلِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِالثَّلَاثِ وَالتَّنَفُّلُ بِالثَّلَاثِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ.
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ نَفْيُ الْفَرْضِيَّةِ دُونَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْفَرْضِيَّةِ وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَلَكِنَّهَا وَاجِبَةٌ وَهِيَ آخِرُ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْوُجُوبِ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْخَمْسِ، وَالْوِتْرُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ، وَفِي هَذَا حِكَايَةٌ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ يُوسُفَ بْنَ خَالِدٍ السَّمْتِيَّ سَأَلَ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْوِتْرِ فَقَالَ: هِيَ وَاجِبَةٌ، فَقَالَ يُوسُفُ: كَفَرْتَ يَا أَبَا حَنِيفَةَ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْل أَنْ يَتَّلْمَذَ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقُولُ إنَّهَا فَرِيضَةٌ فَزَعَمَ أَنَّهُ زَادَ عَلَى الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِيُوسُفَ أَيَهُولُنِي إكْفَارُكَ إيَّايَ وَأَنَا أَعْرِفُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ كَفَرْقِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ وَجَلَسَ عِنْدَهُ لِلتَّعَلُّمِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ أَعْيَانِ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَرْضًا لَمْ تَصِرْ الْفَرَائِضُ الْخَمْسُ سِتًّا بِزِيَادَةِ الْوِتْرِ عَلَيْهَا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ زِيَادَةَ الْوِتْرِ عَلَى الْخَمْسِ لَيْسَتْ نَسْخًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا بَقِيَتْ بَعْدَ الزِّيَادَةِ كُلَّ وَظِيفَةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَرْضًا.
أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَا وَقْتَ لَهَا فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَهَا وَقْتٌ وَهُوَ وَقْتُ الْعِشَاءِ إلَّا أَنَّ تَقْدِيمَ الْعِشَاءِ عَلَيْهَا شَرْطٌ عِنْدَ التَّذَكُّرِ، وَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّبَعِيَّةِ كَتَقْدِيمِ كُلِّ فَرْضٍ عَلَى مَا يَعْقُبُهُ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَلِهَذَا اخْتَصَّ بِوَقْتٍ اسْتِحْسَانًا فَإِنَّ تَأْخِيرَهَا إلَى آخِرِ اللَّيْلِ مُسْتَحَبٌّ وَتَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ يُكْرَهُ أَشَدَّ الْكَرَاهَةِ، وَذَا أَمَارَةُ الْأَصَالَةِ إذْ لَوْ كَانَتْ تَابِعَةً لِلْعِشَاءِ لَتَبِعَتْهُ فِي الْكَرَاهَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ جَمِيعًا.
وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ فَلِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَتَخْتَصُّ بِالْفَرَائِضِ الْمُطْلَقَةِ وَلِهَذَا لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي صَلَاةِ النِّسَاءِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا فَلِضَرْبِ احْتِيَاطٍ عِنْدَ تَبَاعُدِ الْأَدِلَّةِ عَنْ إدْخَالِهَا تَحْتَ الْفَرَائِضِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوِتْرُ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ.
فَوُجُوبُهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ كَالْجُمُعَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ بَلْ يَعُمُّ النَّاسَ أَجْمَعَ مِنْ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بَعْدَ أَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلَائِلِ الْوُجُوبِ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ.

.فَصْلٌ: فِي مِقْدَارُ الْوِتْرِ:

وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي مِقْدَارِهِ.
فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا: الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ أَوْ أَحَدَ عَشْرَ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَفِي غَيْرِهِ رَكْعَةٌ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ وَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ أَوْ بِخَمْسٍ»، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسِ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ»، وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ لَا سَلَامَ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، وَمِثْلُهُ لَا يُكَذَّبُ؛ وَلِأَنَّ الْوِتْرَ نَفْلٌ عِنْدَهُ وَالنَّوَافِلُ اتِّبَاعُ الْفَرَائِضِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهَا نَظِيرًا مِنْ الْأُصُولِ وَالرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ غَيْرُ مَعْهُودَةٍ فَرْضًا وَحَدِيثُ التَّخْيِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ اسْتِقْرَارِ أَمْرِ الْوِتْرِ بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا.

.فَصْلٌ: بَيَانُ وَقْتِ الْوِتْرِ:

وَأَمَّا بَيَانُ وَقْتِهِ.
فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي بَيَانِ أَصْلِ الْوَقْتِ، وَفِي بَيَانِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ.
أَمَّا أَصْلُ الْوَقْتِ فَوَقْتُ الْعِشَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ شُرِعَ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ أَدَاؤُهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مَعَ أَنَّهُ وَقْتُهُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ التَّرْتِيبُ إلَّا إذَا كَانَ نَاسِيًا كَوَقْتِ أَدَاءِ الْوَقْتِيَّةِ وَهُوَ وَقْتُ الْفَائِتَةِ لَكِنَّهُ شُرِعَ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقْتُهُ بَعْدَ أَدَاءِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمْ، سُنَّةٌ وَيُبْنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَوْتَرَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَعَادَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُعِيدُ الْوِتْرَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ وَوَجْهُ الْبِنَاءِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَاجِبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَانَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ فِي حَقِّ الْوَقْتِ لَا تَبَعًا لِلْعِشَاءِ فَكَمَا غَابَ الشَّفَقُ دَخَلَ وَقْتُهُ كَمَا دَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ إلَّا أَنَّ وَقْتَهُ بَعْدَ فِعْلِ الْعِشَاءِ إلَّا أَنَّ تَقْدِيمَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَاجِبٌ حَالَةَ التَّذَكُّرِ فَعِنْدَ النِّسْيَانِ يَسْقُطُ كَمَا فِي الْعَصْرِ وَالظُّهْرِ الَّتِي لَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ يَجِبُ تَرْتِيبُ الْعَصْرِ عَلَى الظُّهْرِ عِنْدَ التَّذَكُّرِ، ثُمَّ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْعَصْرِ عَلَى الظُّهْرِ عِنْدَ النِّسْيَانِ كَذَا هَذَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ وَقْتَهُ مَا ذَكَرْنَا لَا مَا بَعْدَ فِعْلِ الْعِشَاءِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْوِتْرِ كَمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْعِشَاءِ وَلَوْ كَانَ وَقْتُهَا ذَلِكَ لَمَا وَجَبَ قَضَاؤُهَا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ وَقْتُهَا لِاسْتِحَالَةِ تَحَقُّقِ مَا بَعْدَ فِعْلِ الْعِشَاءِ بِدُونِ فِعْلِ الْعِشَاءِ، هَذَا هُوَ تَخْرِيجُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ.
وَأَمَّا تَخْرِيجُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ سُنَّةً كَانَ وَقْتُهُ مَا بَعْدَ وَقْتِ الْعِشَاءِ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِلْعِشَاءِ كَوَقْتِ رَكْعَتِي الْفَجْرِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ: «زَادَكُمْ صَلَاةً وَجَعَلَهَا لَكُمْ مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» وَوُجُودُ مَا بَيْنَ شَيْئَيْنِ سَابِقًا عَلَى وُجُودِهِمَا مُحَالٌ، وَالْجَوَابُ أَنَّ إطْلَاقَ الْفِعْلِ بَعْدَ الْعِشَاءِ لَا يَنْفِي الْإِطْلَاقَ قَبْلَهُ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا صَلَّى الْوِتْرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يُعِيدُ الْوِتْرَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ، وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُوتِرْ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُلْحَقٌ بِالْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرْضِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْمَكْتُوبَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ.
وَلَوْ تَرَكَ الْوِتْرَ عِنْدَ وَقْتِهِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَكَانَ مَضْمُونًا بِالْقَضَاءِ كَالْفَرْضِ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُشْكِلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا الْقِيَاسُ عِنْدَهُمَا أَنْ لَا يَقْضِيَ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْهُمَا فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ لَكِنَّهُمَا اسْتَحْسَنَا فِي الْقَضَاءِ بِالْأَثَرِ وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرٍ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذَا ذَكَرَهُ» فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهُ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا تَذَكَّرَ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ فَأَوْجَبَ الْقَضَاءَ احْتِيَاطًا.
وَأَمَّا الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ لِلْوِتْرِ فَهُوَ آخِرُ اللَّيْلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: «تَارَةً كَانَ يُوتِرُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَتَارَةً فِي وَسَطِ اللَّيْلِ وَتَارَةً فِي آخِرِ اللَّيْلِ ثُمَّ صَارَ وِتْرُهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ»، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِرَكْعَةٍ» وَهَذَا إذَا كَانَ لَا يَخَافُ فَوْتَهُ فَإِنْ كَانَ يَخَافُ فَوْتَهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَنَامَ إلَّا عَنْ وِتْرٍ «وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُوتِرُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَعُمَرُ كَانَ يُوتِرُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: أَخَذْتَ بِالثِّقَةِ وَقَالَ لِعُمَرَ: أَخَذْتَ بِفَضْلِ الْقُوَّةِ».

.فَصْلٌ: صِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِي الْوِتْرِ:

وَأَمَّا صِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِيهِ.
فَالْقِرَاءَةُ فِيهِ فَرْضٌ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا أَمَّا عِنْدَهُمْ فَلَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّهُ نَفْلٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا لَكِنَّ الْوَاجِبَ مَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَرْضٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَفْلٌ لَكِنْ يُرَجَّحُ جِهَةُ الْفَرْضِيَّةِ فِيهِ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ فَيُجْعَلُ وَاجِبًا مَعَ احْتِمَالِ النَّفْلِيَّةِ فَإِنْ كَانَ فَرْضًا يُكْتَفَى بِالْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْهُ كَمَا فِي الْمَغْرِبِ، وَإِنْ كَانَ نَفْلًا يُشْتَرَطُ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا كَمَا فِي النَّوَافِلِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي وُجُوبِهَا فِي الْكُلِّ لَمْ يَذْكُرْ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَدْرَ الْقِرَاءَةِ فِي الْوِتْرِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ: وَمَا قَرَأَ فِي الْوِتْرِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَبَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «قَرَأَ فِي الْوِتْرِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَقِّتَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فِي الْوِتْرِ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وَفِي الثَّانِيَةِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَفِي الثَّالِثَةِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَسَنًا لَكِنْ لَا يُوَاظِبْ عَلَيْهِ كَيْ لَا يَظُنَّهُ الْجُهَّالُ حَتْمًا، ثُمَّ إذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ أَرْسَلَهُمَا ثُمَّ يَقْنُتُ.
أَمَّا التَّكْبِيرُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْنُتَ كَبَّرَ وَقَنَتَ».
وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَرْفَعْ الْيَدَيْنِ إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ» وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا الْقُنُوتَ.
وَأَمَّا الْإِرْسَالُ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْسِيرَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

.فَصْلٌ: فِي الْقُنُوتِ:

وَأُمَّا الْقُنُوتُ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ: فِي صِفَةِ الْقُنُوتِ، وَمَحَلِّ أَدَائِهِ، وَمِقْدَارِهِ وَدُعَائِهِ، وَحُكْمِهِ إذَا فَاتَ عَنْ مَحِلِّهِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْقُنُوتُ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا سُنَّةٌ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي أَصْلِ الْوِتْرِ.
وَأَمَّا مَحَلُّ أَدَائِهِ فَالْوِتْرُ فِي جَمِيعِ السُّنَّةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ عِنْدَنَا، وَقَدْ خَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ: يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَا يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ إلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَاحْتَجَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَكَانَ يَدْعُو عَلَى قَبَائِلَ»، وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا كَانَ يَدْعُو فِي قُنُوتِهِ عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَكَانَ مَنْسُوخًا» دَلَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ كَمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» وَذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ صَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَخَلْفَ عُمَرَ كَذَلِكَ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْهُمَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَاحْتَجَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا أَمَرَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ بِالْإِمَامَةِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ أَمَرَهُ بِالْقُنُوتِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْهُ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا «رَاعَيْنَا صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ» وَلَمْ يَذْكُرُوا وَقْتًا فِي السُّنَّةِ، وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ طَوَّلَ الْقِيَامَ بِالْقِرَاءَةِ، وَطُولُ الْقِيَامِ يُسَمَّى قُنُوتًا؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ إمَامَةَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ كَانَتْ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ حَالُهُ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْهُمْ بِخِلَافِهِ، وَاسْتَدَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ قَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ» فَقَاسَ عَلَيْهِ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ «قُنُوتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ»، وَاسْتِدْلَالُهُ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالْمَنْسُوخِ عَلَى مَا مَرَّ.
وَأَمَّا مِقْدَارُ الْقُنُوتِ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مِقْدَارَ الْقِيَامِ فِي الْقُنُوتِ مِقْدَارُ سُورَةِ: {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، وَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «كَانَ يَقْرَأُ فِي الْقُنُوتِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَكِلَاهُمَا عَلَى مِقْدَارِ هَذِهِ السُّورَةِ».
وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ لَا يُطَوِّلُ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ».
وَأَمَّا دُعَاءُ الْقُنُوتِ فَلَيْسَ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُوَقَّتٌ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَدْعِيَةٌ مُخْتَلِفَةً فِي حَالِ الْقُنُوتِ؛ وَلِأَنَّ الْمُوَقَّتَ مِنْ الدُّعَاءِ يَجْرِي عَلَى لِسَانِ الدَّاعِي مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجِهِ إلَى إحْضَارِ قَلْبِهِ وَصِدْقِ الرَّغْبَةِ مِنْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَبْعُدُ عَنْ الْإِجَابَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِي الْقِرَاءَةِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَفِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ أَوْلَى، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: التَّوْقِيتُ فِي الدُّعَاءِ يُذْهِبُ رِقَّةَ الْقَلْبِ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخُنَا: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُوَقَّتٌ مَا سِوَى قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى هَذَا فِي الْقُنُوتِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَهُ.
وَلَوْ قَرَأَ غَيْرَهُ جَازَ وَلَوْ قَرَأَ مَعَهُ غَيْرَهُ كَانَ حَسَنًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَهُ مَا عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قُنُوتِهِ «اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ» إلَى آخِرِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَفْضَلُ فِي الْوِتْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ دُعَاءٌ مُوَقَّتٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ رُبَّمَا يَكُونُ جَاهِلًا فَيَأْتِي بِدُعَاءٍ يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ فَيُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّوْقِيتَ فِي الدُّعَاءِ يُذْهِبُ رِقَّةَ الْقَلْبِ مَحْمُولٌ عَلَى أَدْعِيَةِ الْمَنَاسِكِ دُونَ الصَّلَاةِ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَأَمَّا صِفَةُ دُعَاءِ الْقُنُوتِ مِنْ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ غَيْرَهُ وَإِنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ وَإِنْ شَاءَ أَسَرَّ كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَ إمَامًا يَجْهَرُ بِالْقُنُوتِ لَكِنْ دُونَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالْقَوْمُ يُتَابِعُونَهُ هَكَذَا إلَى قَوْلِهِ إنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ، وَإِذَا دَعَا الْإِمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ يُتَابِعُهُ الْقَوْمُ؟ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى اخْتِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُتَابِعُونَهُ وَيَقْرَءُونَ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَقْرَءُونَ وَلَكِنْ يُؤَمِّنُونَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ شَاءَ الْقَوْمُ سَكَتُوا.
وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُنُوتِ فَقَدْ قَالَ: أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ لَا يَفْعَلُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعَهَا، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: يَأْتِي بِهَا؛ لِأَنَّ الْقُنُوتَ دُعَاءٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى هَذَا كُلُّهُ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْقَاضِي مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ، وَاخْتَارَ مَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ الْإِخْفَاءَ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ جَمِيعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اُدْعُوَا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}، وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ».
وَأَمَّا حُكْمُ الْقُنُوتِ إذَا فَاتَ عَنْ مَحِلِّهِ فَنَقُولُ: إذَا نَسِيَ الْقُنُوتَ حَتَّى رَكَعَ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ مَا رَفْعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَا يَعُودُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقُنُوتُ وَإِنْ كَانَ فِي الرُّكُوعِ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقُنُوتِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ شَبَهًا بِالْقِرَاءَةِ فَيَعُودُ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ.
وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ مَا رَفْعَ رَأْسَهُ مِنْهُ أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ يَعُودُ وَيُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ كَذَا هاهنا وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الرُّكُوعَ يَتَكَامَلُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ أَصْلًا فَيَتَكَامَلُ بِتَكَامُلِ الْقِرَاءَةِ، وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ عَلَى التَّعْيِينِ وَاجِبَةٌ فَيُنْتَقَضُ الرُّكُوعُ بِتَرْكِهَا فَكَانَ نَقْضُ الرُّكُوعِ لِلْأَدَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَالْأَحْسَنِ فَكَانَ مَشْرُوعًا فَأَمَّا الْقُنُوتُ فَلَيْسَ مِمَّا يَتَكَامَلُ بِهِ الرُّكُوعُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا قُنُوتَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ؟ وَالرُّكُوعُ مُعْتَبَرٌ بِدُونِهِ فَلَمْ يَكُنْ النَّقْضُ لِلتَّكْمِيلِ لِكَمَالِهِ فِي نَفْسِهِ.
وَلَوْ نُقِضَ كَانَ النَّقْضُ لِأَدَاءِ الْقُنُوتِ الْوَاجِبِ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ الْفَرْضِ لِتَحْصِيلِ الْوَاجِبِ فَهُوَ الْفَرْقُ، وَلَا يَقْنُتُ فِي الرُّكُوعِ أَيْضًا بِخِلَافِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ إذَا تَذَكَّرَهَا فِي حَالِ الرُّكُوعِ حَيْثُ يُكَبِّرُ فِيهِ، وَالْفَرْقُ أَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ لَمْ تَخْتَصَّ بِالْقِيَامِ الْمَحْضِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ يُؤْتَى بِهَا فِي حَالِ الِانْحِطَاطِ؟ وَهِيَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَإِذَا جَازَ أَدَاءُ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي غَيْرِ مَحْضِ الْقِيَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ أَدَاءُ الْبَاقِي مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَأَمَّا الْقُنُوتُ فَلَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي مَحْضِ الْقِيَامِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الرُّكُوعِ الَّذِي هُوَ قِيَامٌ مِنْ وَجْهٍ.
وَلَوْ أَنَّهُ عَادَ إلَى الْقِيَامِ وَقَنَتَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْتَقَضَ رُكُوعُهُ عَلَى قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ إلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ حَيْثُ يُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ قَائِمٌ مَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَعُودُ فَإِذَا عَادَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ وَقَعَ الْكُلُّ فَرْضًا؟ فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِنَقْضِ الرُّكُوعِ بِخِلَافِ الْقُنُوتِ؛ لِأَنَّ مَحِلَّهُ قَدْ فَاتَ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَعُودُ؟ فَإِذَا عَادَ فَقَدْ قَصَدَ نَقْضَ الْفَرْضِ لِتَحْصِيلِ وَاجِبٍ فَاتَ عَلَيْهِ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ.
وَلَوْ عَادَ إلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ فَقَرَأَهَا وَرَكَعَ مَرَّةً أُخْرَى فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي كَانَ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ.
وَلَوْ كَانَ أَتَمَّ قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْهُ يَعُودُ فَيَقْرَأُ وَيُعِيدُ الْقُنُوتَ وَالرُّكُوعَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ هاهنا حَصَلَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ أَصْلًا وَلَوْ حَصَلَ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ يَعُودُ وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ فَهاَهُنَا أَوْلَى.